فصل: فصل في كيفية الاستنجاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 فصل في سنن الوضوء

إحداها السواك وهو سنة مطلقا ولا يكره إلا بعد الزوال لصائم وفي غير هذه الحالة مستحب في كل وقت ويتأكد استحبابه في أحوال عند الصلاة وإن لم يكن متغير الفم وعند الوضوء وإن لم يصل وعند قراءة القرآن وعند اصفرار الأسنان وإن لم يتغير الفم وعند تغير الفم بنوم أو طول سكوت أو ترك أكل أو أكل ما له رائحة كريهة أو غير ذلك ويحصل السواك بخرقة وكل خشن مزيل لكن العود أولى والأراك منه أولى والأفضل أن يكون بيابس ندي بالماء ولا يحصل بأصبع خشنة على أصح الأوجه والثالث يحصل عند عدم العود ونحوه ويستحب أن يستاك عرضا‏.‏

قلت كره جماعة من أصحابنا الاستياك طولا ولنا قول غريب أنه لا يكره السواك لصائم بعد الزوال ويستحب أن يبدأ بجانب فمه الأيمن وأن يعود الصبي السواك ليألفه ولا بأس أن يستاك بسواك غيره بإذنه ويستحب أن يمر السواك على سقف حلقه إمرارا لطيفا وعلى كراسي أضراسه وينوي بالسواك السنة ويسن السواك أيضاً عند دخوله بيته واستيقاظه من نومه للحديث الصحيح فيهما والله أعلم‏.‏

والثانية أن يقول في ابتداء وضوئه بسم الله فلو نسيها في الابتداء أتى بها متى ذكرها قبل الفراغ كما في الطعام فان تركها عمدا فهل يشرع التدارك فيه احتمال‏.‏

قلت قول الإمام الرافعي فيه احتمال عجيب فقد صرح أصحابنا بأنه يتدارك في العمد وممن صرح به المحاملي في المجموع والجرجاني في التحرير وغيرهما وقد أوضحته في شرح المهذب قال أصحابنا ويستحب التسمية في ابتداء كل أمر ذي بال من العبادات وغيرها حتى عند الجماع والله أعلم‏.‏

الثالثة غسل الكفين قبل الوجه سواء قام من النوم وشك في نجاسة اليد وأراد غمس يده في الإناء أم لم يكن شيء من ذلك لكن إن أراد غمس يديه في إناء قبل غسلهما كره إن لم يتيقن طهارتهما فان تيقنها فوجهان لأصح لا يكره الغمس‏.‏

قلت ولا تزول الكراهة إلا بغسلهما ثلاثا قبل الغمس نص عليه البويطي وصرح به الأصحاب للحديث الصحيح وقال أصحابنا إذا كان الماء في إناء كبير أو صخرة مجوفة بحيث لا يمكن أن يصب منه على يده وليس معه ما يغترف به استعان بغيره أو أخذ الماء بفمه أو طرف ثوب نظيف ونحوه والله أعلم‏.‏

الرابعة المضمضة والاستنشاق ثم أصل هذه السنة يحصل بوصول الماء إلى الفم والأنف سواء كان بغرفة أو أكثر وفي الأفضل طريقان الصحيح أن فيه قولين أظهرهما الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل والثاني الجمع بينهما أفضل والطريق الثاني الفصل أفضل قطعا وفي كيفيته وجهان أصحهما يتمضمض من غرفة ثلاثا ويستنشق من أخرى ثلاثا والثاني بست غرفات وتقديم المضمضة على الاستنشاق شرط على الأصح وقيل مستحب وفي كيفية الجمع وجهان الأصح بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ويستنشق والثاني بغرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا وقيل بل يتمضمض منها ثم يستنشق مرة ثم كذلك ثانية وثالثة‏.‏

قلت المذهب من هذا الخلاف أن الجمع بثلاث أفضل كذا قاله جماعة من المحققين والأحاديث الصحيحة مصرحة به وقد أوضحته في شرح المهذب والله أعلم‏.‏

الخامسة المبالغة في المضمضة والاستنشاق فيبلغ ماء المضمضة أقصى الحنك ووجهي الأسنان وتمر الأصبع عليها ويصعد ماء الاستنشاق بنفسه إلى الخيشوم مع إدخال الأصبع اليسرى وإزالة ما هناك من أذى فإن كان صائما لم يبالغ فيهما‏.‏

قلت ولو جعل الماء في فيه ولم يدره حصلت المضمضة على الصحيح والله أعلم‏.‏

السادسة التكرار ثلاثا في المغسول والممسوح المفروض والمسنون ولنا قول شاذ أنه لا يكرر مسح الرأس ووجه أشذ منه أنه لا يكرره ولا مسح الأذنين ولو شك هل غسل أو مسح مرة أو مرتين أم ثلاثا أخذ بالأقل على الصحيح وقيل بالأكثر‏.‏

قلت تكره الزيادة على ثلاث وقيل تحرم وقيل هي خلاف الأولى والصحيح الأول وإنما تجب الغسلة مرة وإذا استوعبت العضو والله أعلم‏.‏

السابعة تخليل ما لا يجب إيصال الماء إلى منابته من شعور الوجه بالأصابع ولنا وجه شاذ أنه يجب التخليل‏.‏

قلت مراد قائله وجوب إيصال الماء إلى المنبت وليس بشيء وقد نقلوا الإجماع على خلافه والله أعلم‏.‏

الثامنة تقديم اليمين على اليسار في يديه ورجليه وأما الأذنان والخدان فيطهران دفعة فان كان أقطع قدم اليمين‏.‏

قلت والكفان كالأذنين وفي البحر وجه شاذ أنه يستحب تقديم الأذن اليمنى ولو قدم مسح الأذن على مسح الرأس لم يحصل على الصحيح والله أعلم‏.‏

التاسعة تطويل الغرة والتحجيل فالغرة غسل مقدمات الرأس وصفحة العنق مع الوجه والتحجيل غسل بعض العضدين مع الذراعين وبعض الساقين مع الرجلين وغايته استيعاب العضد والساق وقال كثيرون الغرة غسل بعض العضد والساق فقط والصحيح الأول‏.‏

العاشرة استيعاب الرأس بالمسح والسنة في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه ويلصق سبابته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المبتدأ فالذهاب والرد مسحة واحدة وهذا الاستحباب لمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ويصله البلل أما من لا شعر له أو له شعر لا ينقلب لقصره أو طوله فيقتصر على الذهاب فلو رد لم يحسب ثانية ولو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة أو غيرها مسح ما يجب من الرأس ويسن تتميم المسح على العمامة والأفضل أن لا يقتصر على أقل من الناصية ولا يكفي الاقتصار على العمامة قطعا‏.‏

الحادية عشرة مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ولو أخذ بأصابعه ماء لرأسه ثم أمسك بعض أصابعه فلم يمسحه بها فمسح الأذن بمائها كفى لأنه جديد ويمسح الصماخين بماء جديد على المشهور وفي قول شاذ يكفي مسحهما ببقية بلل الأذن‏.‏

قلت ويمسح الصماخين ثلاثا ونقلوا أن ابن سريج رحمه الله كان يغسل أذنيه مع وجهه ويمسحهما مع رأسه ومنفردتين احتياطا في العمل بمذاهب العلماء فيهما وفعله هذا حسن وقد غلط من غلطه فيه زاعما أن الجمع بينهما لم يقل به أحد ودليل ابن سريج نص الشافعي والأصحاب على استحباب غسل النزعتين مع الوجه مع أنهما يمسحان في الرأس والله أعلم‏.‏

الثانية عشرة مسح الرقبة وهل هو سنة أم أدب فيه وجهان والسنة والأدب يشتركان في أصل الاستحباب لكن السنة يتأكد شأنها والأدب دون ذلك ثم الأكثرون على أنه يمسح بباقي بلل الرأس أو الأذن وقيل بماء جديد‏.‏

قلت وذهب كثيرون من أصحابنا إلى أنها لا تمسح لأنه لم يثبت فيها شيء أصلا ولهذا لم يذكره الشافعي ومتقدم و الأصحاب وهذا هو الصواب والله أعلم‏.‏

الثالثة عشرة تخليل أصابع الرجلين بخنصر يده اليسرى من أسفل الرجل مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى خاتما بخنصر اليسرى وقيل يخلل ما بين كل أصبعين من أصابع رجليه بأصبع من أصابع يده ولم يذكر الجمهور تخليل أصابع اليدين واستحبه القاضي ابن كج من أصحابنا وورد فيه حديث قال الترمذي إنه حسن فعلى هذا تخليلها بالتشبيك بينها‏.‏

ولو كانت أصابع رجليه ملتفة لا يصل الماء ما بينهما إلا بالتخليل وجب الإيصال وإن كانت ملتحمة لم يجب فتقها ولا يستحب‏.‏

قلت بل لا يجوز والله أعلم‏.‏

الرابعة عشرة الدعوات على أعضاء الوضوء فيقول عند الوجه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند اليد اليمنى اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا وعند اليسرى اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري وعند الرأس اللهم حرم شعري وبشري على النار وعند الأذنين اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند الرجلين اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام‏.‏

الخامسة عشرة ترك الاستعانة وهل تكره الاستعانة وجهان‏.‏

قلت الوجهان فيما إذا استعان بمن يصب عليه الماء وأصحهما لا يكره أما إذا استعان بمن يغسل له الأعضاء فمكروه قطعا وإن استعان به في إحضار الماء فلا بأس به ولا يقال إنه خلاف الأولى وحيث كان له عذر فلا بأس بالاستعانة مطلقا والله أعلم‏.‏

السادسة عشرة الأصح أنه يستحب ترك التنشيف والثاني لا يستحب ولا يكره والثالث يكره التنشيف ويستحب تركه والرابع يكره في الصيف دون الشتاء والخامس يستحب‏.‏

السابعة عشرة أن لا ينفض يده والنفض مكروه‏.‏

قلت في النفض أوجه الأرجح أنه مباح تركه وفعله سواء والثاني مكروه والثالث تركه أولى والله أعلم‏.‏

الثامنة عشرة في مندوبات أخر منها أن يقول بعد التسمية الحمد لله الذي جعل الماء طهورا وأن يستصحب النية في جميع الأفعال وأن يجمع في النية بين القلب واللسان وأن يتعهد الموقين بالسبابتين ويحرك الخاتم ويتعهد ما يحتاج إلى الاحتياط ويبدأ في الوجه بأعلاه وفي الرأس بمقدمه وفي اليد والرجل بأطراف الأصابع إن صبه على نفسه وإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب وأن لا ينقص ماء الوضوء عن مد وأن لا يسرف ولا يزيد على ثلاث مرات ولا يتكلم في أثناء الوضوء ولا يلطم وجهه بالماء ولا يتوضأ في موضع يرجع إليه رشاش الماء وأن يمر يده على الأعضاء وأن يقول بعد الفراغ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك واعلم أن معظم هذه السنن يجيء مثلها في الغسل وفي التسمية وجه أنها لا تستحب في الغسل‏.‏

فرع التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بلا خلاف وكذا على الجديد المشهور والكثير هو أن يمضي زمن يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص والقليل دون ذلك وقيل تؤخذ القلة والكثرة من العرف وقيل الكثير مضي زمن يمكن فيه إتمام الطهارة ومدة التفريق تعتبر من آخر المأتي به من أفعال الوضوء ولو فرق بعذر كنفاد الماء لم يضر على المذهب وقيل فيه القولان والنسيان عذر على الأصح وحيث جاز التفريق فبنى لا يحتاج إلى تجديد النية في الأصح والموالاة في الغسل كهي في الوضوء على المذهب وقيل لا يجب مطلقا بلا خلاف‏.‏

قلت بقيت مسائل مهمة من صفة الوضوء منها غسل العينين فيه أوجه أحدها سنة والثاني مستحب والثالث لا يفعل وهو الأصح عند الأصحاب ولو لم يكن لرجله كعب أو ليده مرفق اعتبر قدره ولو تشققت رجله فجعل في شقوقها شمعا أو حناء وجب إزالة عينه فإن بقي لون الحناء لم يضر وإن كان على العضو دهن مائع فجرى الماء على العضو ولم يثبت صح وضوؤه ولو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء لم يصح وضوؤه على الأصح ولو قدم المضمضة والاستنشاق على غسل الكف لم يحسب الكف على الأصح ولو شك في غسل بعض أعضائه في أثناء الطهارة لم يحسب له وبعد الفراغ لا يضره الشك على الأصح ويشترط في غسل الأعضاء جريان الماء على العضو بلا خلاف ويرتفع الحدث عن كل عضو بمجرد غسله وقال إمام الحرمين يتوقف على فراغ الأعضاء والصواب الأول وبه قطع الأصحاب ويستحب لمن يتوضأ أن يصلي عقبه ركعتين في أي وقت كان والله اعلم

 باب الاستنجاء

الاستنجاء واجب ولقضاء الحاجة آداب منها أن يستر عورته عن العيون بشجرة أو بقية جدار ونحوهما فإن كان في بناء يمكن تسقيفه كفى ولو جلس في وسط عرصة دار واسعة أو بستان فليستتر بقدر مؤخرة الرحل وليكن بينه وبينها ثلاثة أذرع فما دونها ولو أناخ راحلته وتستر بها أو جلس في وهدة أو نهر أو أرخى ذيله حصل الغرض ومنها أن لا يستقبل الشمس ولا القمر بفرجه لا في الصحراء ولا في البنيان وهو نهي تنزيه قال جماعة ويجتنب الاستدبار أيضاً والجمهور اقتصروا على النهي عن الاستقبال ومنها إن كان في بناء أو بين يديه ساتر فالأدب أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها فإن كان في صحراء ولم يستتر بشيء حرم استقبالها واستدبارها ولا يحرم ذلك في البناء ومنها أن لا يتخلى في متحدث الناس وأن لا يبول في الماء الراكد الكثير والنهي عن القليل أشد وفي الليل أشد وأن لا يبول في ثقب وأن لا يجلس تحت شجرة مثمرة لغائط ولا بول ولا يبول في مهب ريح وأن يعتمد في جلوسه على رجله اليسرى وأن يعد أحجار الاستنجاء عنده قبل جلوسه وأن لا يستنجي بالماء موضع قضاء الحاجة بل ينتقل عنه فإن كان يستنجي بالحجر لم ينتقل‏.‏

قلت هذا في غير الأخلية المتخذة لذلك أما الأخلية فلا ينتقل منها للمشقة ولأنه لا يناله رشاش والله أعلم‏.‏

وأن لا يستصحب ما فيه شيء من القرآن أو ذكر الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم كخاتم ودرهم ونحوهما ولا يختص هذا الأدب بالبنيان بل يعم الصحراء على الصحيح فلو غفل عن نزع الخاتم حتى اشتغل بقضاء الحاجة ضم كفه عليه وأن يقدم في الدخول رجله اليسرى وفي الخروج اليمنى وسواء في هذا الأدب الصحراء والبنيان على الصحيح فيقدم اليسرى إذا بلغ مقعده في الصحراء ويقدم اليمنى في انصرافه وقيل يختص بالبنيان وأن يستبرىء بتنحنح ونتر ذكره عند انقطاع البول ويكره حشو الإحليل بقطن ونحوه‏.‏

قلت يكره استقبال بيت المقدس واستدباره ببول أو غائط ولا يحرم ولا يكره الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها لا في بناء ولا في صحراء عندنا واستصحاب ما عليه ذكر الله تعالى على الخلاء مكروه لا حرام والسنة أن يقول عند دخول الخلاء باسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ويقول إذا خرج غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وسواء في هذا البنيان والصحراء ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ويسبله عليه إذا قام قبل انتصابه ويكره أن يذكر الله تعالى أو يتكلم بشيء قبل خروجه إلا لضرورة فإن عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه وكذا يفعل في حال الجماع والسنة أن يبعد عن الناس وأن يبول في مكان لين لا يرتد عليه فيه بوله ويكره في قارعة الطريق وعند القبور ويحرم البول على القبر وفي المسجد فلو بال في إناء في المسجد فهو حرام على الأصح‏.‏

ويستحب أن لا يدخل الخلاء حافيا ولا مكشوف الرأس وأن لا ينظر إلى ما يخرج منه ولا إلى فرجه ولا إلى السماء ولا يعبث بيده ولا يكره البول في الإناء ويكره قائما بلا عذر ويكره إطالة القعود على الخلاء والله اعلم

 فصل فيما يستنجي منه

إذا خرج من البدن نجس لا ينقض الطهر لم يجزىء فيه الحجر وأما الخارج الذي ينقض الطهر فإن كان ريحا لم يجب الاستنجاء وإن كان غيره وخرج من منفتح غير السبيلين ففي إجزاء الحجر فيه خلاف يأتي في الباب الآتي إن شاء الله تعالى وإن كان خارجا من السبيلين يوجب الطهارة الكبرى كالمني والحيض وجب الغسل ولا يمكن الاقتصار على الحجر‏.‏

قلت قد صرح صاحب الحاوي وغيره بجواز الاستنجاء بالحجر من دم الحيض وفائدته فيمن انقطع حيضها واستنجت بالحجر ثم تيممت لسفر أو مرض صلت ولا إعادة والله أعلم‏.‏

وإن أوجب الصغرى فإن لم يكن ملوثا كدود وحصاة بلا رطوبة لم يجب الاستنجاء على الأظهر ‏.‏

قلت والبعرة اليابسة كالحصاة وصرح به صاحب الشامل وآخرون والله أعلم‏.‏

وإن كان ملوثا نادرا كالدم والقيح والمذي فثلاثة طرق والطريق الصحيح قولان أظهرهما يجزئه الحجر والثاني يتعين الماء والثاني يجزىء الحجر قطعا والثالث إن خرج النادر مختلطا بالمعتاد كفى الحجر وإن تمحض النادر تعين الماء وإن كان الخارج ملوثا معتادا ولم يجاوز المخرج فله الاقتصار على الحجر قطعا وكذا إن جاوز المخرج ولم يجاوز المعتاد على المذهب وشذ بل غلط من قال فيه قول آخر أنه يتعين الماء فإن جاوز المعتاد ولم يخرج الغائط عن الأليتين أجزأ الحجر أيضاً على الأظهر وقيل قطعا وقيل يتعين الماء قطعا والبول كالغائط والحشفة كالأليتين وقال أبو إسحق المروزي إذا جاوز البول الثقب تعين الماء قطعا والمذهب الأول‏.‏

ولو جاوز الغائط الأليتين والبول الحشفة تعين الماء قطعا لندوره سواء المجاوز وغيره وقيل في غير المجاوز الخلاف وليس بشيء وحيث اقتصر على الحجر فشرطه أن لا تنتقل النجاسة عن الموضع الذي أصابته عند الخروج وأن لا يجف ما على المخرج فإن فقد أحدهما تعين الماء قطعا وقيل إن كان الجاف بحيث يقلعه الحجر أجزأ الحجر‏.‏

 فصل فيما يستنجى به غير الماء

وله شروط أحدها أن يكون طاهرا فلو استنجى بنجس تعين بعده الماء على الصحيح وعلى الثاني يجزئه الشرط الثاني أن يكون منشفا قالعا للنجاسة فلا يجزىء زجاج وقصب وحديد أملس وفحم رخو وتراب متناثر ويجزىء فحم وتراب صلبان وقيل في التراب والفحم قولان مطلقا وليس بشيء وإن استنجى بما لا يقلع لم يجزئه وإن أنقى فإن نقل النجاسة تعين الماء وإلا أجزأ الحجر ولو استنجى برطب من حجر أو غيره لم يجزئه على الصحيح‏.‏

الشرط الثالث أن لا يكون محترما فلا يجوز الاستنجاء بمطعوم كالخبز والعظم ولا بما كتب عليه علم كحديث وفقه وفي جزء الحيوان المتصل به كاليد والعقب وذنب حمار وجهان الصحيح لا يجوز وقيل يجوز بيد نفسه دون يد غيره وقيل عكسه ويجوز بقطعة ذهب وفضة وجوهر نفيس خشنة على الصحيح كما يجوز بالديباج قطعا وإن استنجى بمحترم عصى ولا يجزئه على الصحيح لكن يجزئه الحجر بعده إلا أن ينقل النجاسة وأما الجلد الطاهر فالأظهر أنه إن كان مدبوغا جاز الاستنجاء به وإلا فلا والثاني يجوز مطلقا والثالث لا يجوز مطلقا ولو استنجى بحجر ثم غسله ويبس جاز الاستنجاء به وإن استنجى بحجر فلم يبق على المحل شيء فاستعمل الثاني والثالث ولم يتلوثا جاز استعمالهما من غير غسل على الصحيح‏.‏

 فصل في كيفية الاستنجاء

إذا استنجى بجامد وجب الإنقاء واستيفاء بثلاث مسحات بأحرف حجر أو ما في معناه أو بأحجار ولو حصل الإنقاء بدون الثلاث وجب ثلاث‏.‏

وفي وجه يكفي الإنقاء وهو شاذ أو غلط وإذا لم يحصل الإنقاء بثلاث وجبت الزيادة‏.‏

فإن حصل برابع استحب الإتيان بخامس ولا يجب وفي كيفية الاستنجاء أوجه أصحها يمسح بكل حجر جميع المحل فيضعه على مقدم الصفحة اليمنى ويديره على الصفحتين إلى أن يصل موضع ابتدائه ويضع الثاني على مقدم الصفحة اليسرى ويفعل مثل ذلك ويمسح بالثالث الصفحتين والمسربة والوجه الثاني يمسح بحجر الصفحة اليمنى وبالثاني اليسرى وبالثالث الوسط والوجه الثالث أن يمسح بالأول من مقدم المسربة إلى آخرها وبالثاني من آخرها إلى أولها ويحلق بالثالث وهذا الخلاف في الأفضل على الصحيح فيجوز عند كل قائل العدول إلى الكيفية الأخرى وقيل لا يجوز‏.‏

قلت وقيل يجوز العدول من الكيفية الثانية إلى الأولى دون عكسه والله أعلم‏.‏

وينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر بقرب النجاسة ثم يمره على المحل ويديره قليلا قليلا فإن أمره ونقل النجاسة من موضع إلى موضع تعين الماء فإن أمر ولم يدره ولم ينقل فالصحيح أنه يجزئه والثاني لا بد من الإدارة‏.‏

المستحب أن يستنجي باليسار فإن استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى وإن استنجت امرأة من بول أو غائط أو رجل من غائط بالحجر مسح بيساره ولم يستعن بيمينه في شيء وإذا استنجى الرجل من البول بجدار أو صخرة عظيمة ونحو ذلك أمسك الذكر بيساره ومسحه على ثلاث مواضع وإذا استنجى بحجر صغير أمسكه بين عقبيه أو إبهامي رجليه أو تحامل عليه إن أمكنه والذكر في يساره فإن لم يتمكن واضطر إلى إمساك الحجر بيده أمسكه باليمنى وأخذ الذكر باليسرى وحرك اليسار وحدها فإن حرك اليمنى أو حركهما جميعا كان مستنجيا باليمين وقيل يأخذ الذكر باليمين والحجر باليسار ويحركها وليس بشيء‏.‏

فرع الأفضل أن يجمع في الاستنجاء بين الماء والجامد ويقدم الجامد فإن اقتصر فالماء أفضل‏.‏

فرع الخنثى المشكل في الاستنجاء من الغائط كغيره وليس له الاقتصار على انفتاح الأصلي ينتقض وضوؤه بالخارج منه ويجوز له الاقتصار على الحجر أما الرجل فمخير في فرجيه بين الماء والحجر وكذا المرأة البكر وكذا الثيب فإن مخرج بولها فوق مدخل الذكر والغالب أنها إذا بالت نزل البول إلى مدخل الذكر فإن تحققت ذلك تعين الماء وإلا جاز الحجر على الصحيح والواجب على المرأة غسل ما يظهر إذا جلست على القدمين وفي وجه ضعيف يجب على الثيب غسل باطن فرجها‏.‏

قلت ينبغي أن يستنجي قبل الوضوء والتيمم فإن قدمهما على الاستنجاء صح الوضوء دون التيمم على أظهر الأقوال والثاني يصحان والثالث لا يصحان ولو تيمم وعلى يديه نجاسة فهو كالتيمم قبل الاستنجاء وقيل يصح قطعا كما لو تيمم مكشوف لعورة وإذا أوجبناه في الدودة والحصاة والبعرة أجزأه الحجر على المذهب وقيل فيه القولان في الدم وغيره من النادر وهذا أشهر وقول الجمهور ولكن الصواب الأول ولو وقع الخارج من الانسان على الأرض ثم ترشش منه شيء فارتفع إلى المحل أو أصابته نجاسة أخرى تعين الماء لخروجه عما يعم به البلوى ويستحب أن يبدأ المستنجي بالماء بقبله ويدلك يده بعد غسل الدبر وينضح فرجه أو سراويله بعد الاستنجاء دفعا للوسواس ويعتمد في غسل الدبر على أصبعه الوسطى ويستعمل من الماء ما يغلب على الظن زوال النجاسة به ولا يتعرض للباطن ولو غلب على ظنه زوال النجاسة ثم شم من يده ريحها فهل يدل على بقاء النجاسة في المحل كما هي في اليد أم لا فيه وجهان أصحهما لا والله أعلم‏.‏

الحدث يطلق على ما يوجب الوضوء وعلى ما يوجب الغسل فيقال حدث أكبر وحدث أصغر وإذا أطلق كان المراد الأصغر غالبا وهو مرادنا هنا ولا ينتقض الوضوء عندنا بخارج من غير السبيلين ولا بقهقهة المصلي ولا بأكل لحم الجزور ولا بأكل ما مسته النار وفي لحم الجزور قول قديم شاذ‏.‏

قلت هذا القديم وإن كان شاذا في المذهب فهو قوي في الدليل فإن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شاف وقد اختاره جماعة من محققي أصحابنا المحدثين وقد أوضحت كل ذلك مبسوطا في شرح المهذب وهذا القديم مما اعتقد رجحانه والله أعلم‏.‏

وإنما ينتقض بأحد أربعة أمور الأول الخارج من أحد السبيلين عينا كان أو ريحا من قبل الرجل والمرأة أو دبرهما نادرا كان كالدم والحصى أو معتادا نجس العين أو طاهرها كالدود والحصى إلا المني فلا ينقض الوضوء بخروجه وإنما يوجب الغسل ولنا وجه شاذ أنه يوجب الوضوء أيضاً ودبر الخنثى المشكل كغيره فإن خرج شيء من قبليه نقض وإن خرج من أحدهما فله حكم المنفتح تحت المعدة‏.‏

فرع إذا انسد السبيل المعتاد وانفتح ثقبه تحت المعدة وخرج منه المعتاد وهو البول والغائط نقض قطعا وإن خرج نادر كدم ودود وريح نقض على الأظهر وإن انفتح فوق المعدة مع انسداد المعتاد أو تحتها مع انفتاحه لم ينقض الخارج المعتاد منه على الأظهر فإن نقض ففي النادر القولان وان انفتح فوقها مع انفتاح الأصلي لم ينقض قطعاً‏.‏

قلت ذهب كثيرون من الأصحاب إلى أن فيه طريقين الثاني على قولين والمذهب أن الريح من الخارج المعتاد ومرادهم بتحت المعدة ما تحت السرة وبفوقها السرة ومحاذاتها وما فوقها والله أعلم‏.‏

وحيث نقضنا فهل يجوز الإقتصار في الخارج منه على الحجر فيه ثلاثة أقوال وقيل أوجه الأظهر لا والثالث يجوز في المعتاد دون النادر والأصح أنه لا يجب الوضوء بمسه ولا الغسل بالإيلاج فيه ولا يحرم النظر إليه إذا كان فوق السرة أو محاذيا لها ولا يثبت بالإيلاج فيه شيء من أحكام الوطء قطعا سوى الغسل على وجه وقيل يثبت المهر وسائر أحكام الوطء‏.‏

قلت لو أخرجت دودة رأسها من فرجه ثم رجعت انتقض على الأصح والخنثى الواضح إذا خرج من فرجه الزائد شيء فله حكم منفتح تحت المعدة ولو خرج من أحد قبلي مشكل فكذلك على المذهب وقيل ينتقض قطعا وقيل عكسه ومن له ذكران ينتقض بكل منهما والله الناقض الثاني زوال العقل فإن كان بالجنون والاغماء والسكر نقض بكل حال والسكر الناقض ما لا شعور معه دون أوائل النشوة وحكي وجه أن السكر لا ينقض بحال وهو غلط وأما النوم فحقيقته استرخاء البدن وزوال الاستشعار وخفاء كلام من عنده وليس في معناه النعاس وحديث النفس فإنهما لا ينقضان بحال فإن نام ممكنا مقعده من مقره لم ينقض وقيل إن استند إلى ما يسقط بسقوطه نقض وليس بشيء وإن نام غير ممكن مقعده نقض وفي قول لا ينقض النوم على هيئة من هيئآت الصلاة وإن لم يكن في صلاة وفي قول لا ينقض في الصلاة كيف كان وفي قول لا ينقض النوم قائما وفي قول ينقض وإن كان ممكنا مقعده وهذه أقوال شاذة قلت لا فرق عندنا بين قليل النوم وكثيره ولو نام محتبيا فثلاثة أوجه أصحها لا ينتقض والثالث ينتقض وضوء نحيف الأليين دون غيره ولو نام ممكنا فزالت إحدى أليتيه عن الأرض فإن كان قبل الإنتباه انتقض وإن كان بعده أو معه أو شك لم ينتقض ولو شك هل نام أم نعس أو هل نام ممكنا أم لا لم ينتقض ولو نام على قفاه ملصقا مقعده بالأرض انتقض ولو كان مستثفرا بشيء انتقض أيضاً على المذهب‏.‏

قال الشافعي والأصحاب يستحب الوضوء من النوم ممكنا للخروج من الخلاف والله أعلم‏.‏

الناقض الثالث لمس بشرة امرأة مشتهاة فإن لمس شعرا أو سنا أو ظفرا أو عضوا مبانا من امرأة أو بشرة صغيرة لم تبلغ حد الشهوة لم ينتقض وضوؤه على الأصح وإن لمس محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة لم ينتقض على الأظهر وإن لمس ميتة أو عجوزا لا تشتهى أو عضوا أشل أو زائدا أو لمس بغير شهوة أو عن غير قصد انتقض على الصحيح في جميع ذلك وينتقض وضوء الملموس على الأظهر والمرأة كالرجل في انتقاض طهرها بلمسها من الرجل ما ينقضه منها ولنا وجه شاذ أنها لا تزال ملموسة فإذا لمست رجلا كان في انتقاضها القولان وليس بشيء‏.‏

قلت ولو التقت بشرتا رجل وامرأة بحركة منهما انتقضتا قطعا وليس فيهما ملموس ولو لمس الشيخ الفاقد للشهوة شابة أو لمست الفاقدة للشهوة شابا أو الشابة شيخا لا يشتهى انتقض على الأصح والمراهق والخصي والعنين ينقضون وينتقضون ولو لمس الرجل أمرد حسن الصورة بشهوة لم ينتقض على الصحيح ولو شك هل هو لامس أوملموس فهو ملموس أو هل لمس محرما أو أجنبية فمحرم ولو لمس محرما بشهوة فكلمسها بغير شهوة ولمس اللسان ولحم الاسنان واللمس به ينتقض قطعا والله أعلم‏.‏

الناقض الرابع مس فرج الآدمي فينتقض الوضوء إذا مس ببطن كفه فرج آدمي من نفسه أو غيره ذكر أو أنثى صغير أو كبير حي أو ميت قبلا كان الممسوس أو دبرا وفي فرج الصغير والميت وجه ضعيف وفي الدبر قول شاذ أنه لا ينتقض والمراد بالدبر ملتقى المنفذ ومس محل الجب ينقض قطعا إن بقي شيء شاخص فإن لم يبق شيء نقض أيضاً على الصحيح ومس الذكر المقطوع والأشل والمس باليد الشلاء وناسيا ناقض على الصحيح ولو مس بباطن أصبع زائدة إن كانت على استواء الأصابع نقضت على الأصح وإلا فلا على الأصح ولو كان له كفإن عاملتان نقض كل واحدة منهما وإن كانت إحداهما عاملة نقضت دون الأخرى وقيل في الزائدة خلاف مطلقا ولا ينقض مس دبر البهيمة قطعا ولا قبلها على الجديد المشهور‏.‏

قلت أطلق الأصحاب الخلاف في فرج البهيمة ولم يخصوا به القبل فإن قلنا لا ينقض مسه فأدخل يده في فرجها لم ينقض على الأصح والله أعلم‏.‏

هذا كله في المس ببطن كفه فإن مس برؤوس الأصابع أو بما بينها أو بحرفها أو حرف الكف لم ينتقض على الأصح ومن نقض برؤوس الأصابع قال باطن الكف ما بين الأظفار والزند طولا ومن لم ينقض به يقول هو القدر المنطبق إذا وضعت إحدى اليدين على الأخرى مع تحامل يسير وأما الممسوس فرجه فلا ينتقض قطعا قلت وقيل فيه قولان كالملموس والله أعلم فرع إذا مس الخنثى المشكل فرج واضح فحكمه ما سبق وإن مس فرجي نفسه انتقض أو أحدهما فلا وإن مس أحدهما ثم صلى الصبح ثم توضأ ثم مس الآخر ثم صلى الظهر فالأصح أنه لا يجب قضاء واحدة منهما والثاني يجب قضاؤهما ولو مس أحدهما وصلى الصبح ثم مس الآخر وصلى الظهر من غير وضوء أعاد الظهر قطعا فقط أما إذا مس الواضح خنثى فإن مس منه ما له مثله انتقض وإلا فلا ينتقض وضوء الرجل بمس ذكر الخنثى والمرأة بفرجه ولا عكس هذا إذا لم يكن بين الماس والخنثى محرمية أو غيرها مما يمنع النقض وحيث نقضنا الواضح فالخنثى ممسوس لا ملموس ولو مس المشكل فرجي مشكل أو فرج نفسه وذكر مشكل انتقض ولو مس أحد فرجي مشكل لم ينتقض ولو مس أحد المشكلين فرج صاحبه ومس الآخر ذكر الأول انتقض أحدهما لا بعينه لكن لكل واحد منهما أن يصلي لأن الأصل الطهارة‏.‏

فرع من القواعد التي يبنى عليها كثير من الأحكام استصحاب حكم اليقين والاعراض عن الشك فلو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو عكسه عمل باليقين فيهما ولو ظن الحدث بعد يقين الطهارة فكالشك فله الصلاة ولنا وجه أنه إذا شك في الحدث خارج الصلاة وجب الوضوء وهذا شاذ بل غلط ومن هذا الباب ما إذا مس الخنثى فرجه مرتين وشك هل الممسوس ثانيا الأول أم الآخر أو شك من نام قاعدا ثم تمايل وانتبه أيهما كان أسبق أو شك هل ما رآه رؤيا أم حديث نفس أو هل لمس البشرة أم الشعر فلا يلزمه الوضوء في جميع هذا وكذا الشك في الحدث الأكبر ولو تيقن بعد طلوع الشمس حدثا وطهارة ولم يعلم اسبقهما فثلاثة أوجه أصحها وقول الأكثرين أنه إن كان قبل طلوع الشمس محدثا فهو الآن متطهرا وإن كان متطهر فالآن محدث إن كان ممن يعتاد تجديد الوضوء وإلا فمتطهر أيضاً وإن لم يعلم ما كان قبل طلوع الشمس وجب الوضوء‏.‏

والوجه الثاني أنه على ما كان قبل طلوع الشمس ولا نظر إلى ما بعده فإن لم يعلم ما كان قبله وجب الوضوء‏.‏

والثالث لا نظر إلى ما قبل الطلوع بل يجب الوضوء بكل حال قلت الوجه الثاني غلط صريح وكيف يؤمر بالعمل بما تيقن بطلانه والوجه الثالث هو الصحيح عند جماعات من محققي أصحابنا وفيه وجه رابع يعمل بغلبة الظن وقد أوضحت دلائله في شرح المهذب والله أعلم‏.‏

فرع في بيان الخنثى المشكل لزوال إشكاله صور منها خروج البول فإن بال بفرج الرجال وحده فهو رجل أو بفرج النساء فامرأة فإن بال بهما فوجهان أحدهما لا دلالة فيه وأصحهما يدل للسابق إن اتفق انقطاعهما وللمتأخر إن اتفق ابتداؤهما فإن سبق واحد وتأخر آخر فللسابق فإن اتفقا فيهما وزاد أحدهما أو زرق بهما أو رشش فلا دلالة على الأصح وعلى الثاني يعمل بالكثرة ويجعل بالتزريق رجلا وبالترشيش امرأة فإن استوى قدرهما أو زرق بواحد ورشش بآخر فلا دلالة ومنها خروج المني والحيض في وقتهما فإن أمنى بفرج الرجال فرجل أو بفرج النساء أو حاض فامرأة بشرط تكرره فإن أمنى منهما فوجهان أحدهما لا دلالة والأصح أنه إن أمنى منهما بصفة مني الرجال فرجل أو بصفة مني النساء فامرأة فإن أمنى من أحدهما بصفة ومن الآخر بالصفة الأخرى فلا دلالة‏.‏

وحكي وجه أنه لا دلالة في المني مطلقا وهو شاذ ومنها خروج الولد وهو يفيد القطع بالأنوثة فيقدم على جميع العلامات ولو تعارض البول بالحيض أو المني فالأصح لا دلالة والثاني يقدم البول ‏.‏

ومنها نبات اللحية ونهود الثدي وتفاوت الأضلاع والصحيح أنه لا دلالة فيها والثاني اللحية تدل أو نقصان ضلع من الجانب الأيسر للذكورة والنهود وتساوي الأضلاع للأنوثة ولا يدل عدم اللحية والنهود في وقتهما على الأنوثة والذكورة بلا خلاف ومنها الميل فإذا قال أميل إلى النساء فرجل أو إلى الرجال فامرأة بشرط العجز عن الأمارات السابقة فإنها مقدمة على الميل ولا يرجع إليه إلا بعد بلوغه وعقله وفي وجه يقبل قول المميز ثم يتعلق باختياره‏.‏

فروع أحدها إذا بلغ ووجد من نفسه أحد الميلين لزمه أن يخبر به فإن أخر عصى‏.‏

الثاني يحرم عليه أن يخبر بالتشهي وإنما يخبر عما يجده‏.‏

الثالث إذا قال أميل إليهما أو لا أميل إلى واحد منهما استمر الإشكال‏.‏

الرابع إذا أخبر بميل لزمه ولا يقبل رجوعه إلا أن يخبر بالذكورة ثم يلد أو يظهر به حمل فيبطل قوله كما لو حكم بشيء من العلامات الظاهرة ثم ظهر الحمل فإن ذلك يبطل‏.‏

الخامس لو حكمنا بقوله ثم ظهرت علامة غير الحمل فيحتمل أن يرجع إليها ويحتمل أن يبقى على قوله‏.‏

قلت الاحتمال الثاني هو الصواب وظاهر كلام الأصحاب قال أصحابنا وإذا أخبر بميله عملنا به فيما له وعليه ولا نرده لتهمة كما لو أخبر صبي ببلوغه للامكان والله أعلم‏.‏

فصل ويحرم مس حاشية المصحف وما بين سطوره وحمله بالعلاقة قطعا ويحرم مس الجلد على الصحيح والغلاف والصندوق والخريطة إذا كان فيهن المصحف على الأصح ولو قلب أوراقه بعود حرم على الأصح‏.‏

قلت قطع العراقيون بالجواز وهو الراجح فإنه غير حامل ولا ماس ولو لف كمه على يده وقلب به الورق حرم عند الجمهور وهو الصواب وقيل وجهان والله أعلم‏.‏

ولا يحرم حمل المصحف في جملة متاع على الأصح وكتابة القرآن على شيء بين يديه من غير مس ولا حمل جائزة على الأصح ويجوز مس التوراة والإنجيل وما نسخت تلاوته من القرآن وحملها على الصحيح ولا يحرم مس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله ولكن الأولى التطهر له وأما ما كتب عليه شيء من القرآن لا للدراسة كالدراهم الأحدية والثياب والعمامة والطعام والحيطان وكتب الفقه والأصول فلا يحرم مسه ولا حمله على الصحيح وكذا لا يحرم كتب التفسير على الأصح وقيل إن كان القرآن أكثر حرم قطعا وقيل إن كان القرآن بخط متميز حرم الحمل قطعا‏.‏

قلت مقتضى هذا الكلام أن الأصح أنه لا يحرم إذا كان القرآن أكثر وهذا منكر بل الصواب القطع بالتحريم لأنه وإن لم يسم مصحفا ففي معناه وقد صرح بهذا صاحب الحاوي وآخرون ويحرم على البالغ مس وحمل اللوح المكتوب فيه قرآن للدراسة على الصحيح ولا يجب على الولي والمعلم منع الصبي المميز من مس المصحف واللوح اللذين يتعلم منهما وحملهما على الأصح ولا يحرم أكل الطعام وهدم الحائط المنقوش بالقرآن‏.‏

قلت ويكره إحراق الخشبة المنقوشة به ويكره كتابته على الحيطان سواء المسجد وغيره وعلى الثياب ويحرم كتابته بشيء نجس ولو كان على بعض بدن المتطهر نجاسة حرم مس المصحف بموضعها ولا يحرم بغيره على المذهب ومن لم يجد ماء ولا ترابا يصلي لحرمة الوقت ويحرم عليه مس المصحف وحمله ولو خاف على المصحف من غرق أو حرق أو نجاسة أو كافر ولم يتمكن من الطهارة أخذه مع الحدث للضرورة‏.‏